اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شفاء العليل شرح منار السبيل
217606 مشاهدة
تعريفه

قوله: [الثالث: نجس يحرم استعماله إلا للضرورة، ولا يرفع الحدث، ولا يزيل الخبث وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل] لحديث ابن عمر قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينوبه من السباع والدواب فقال إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث رواه الخمسة وفي لفظ ابن ماجه و أحمد لم ينجسه شيء يدل على أن ما لم يبلغهما ينجس.
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات متفق عليه يدل على نجاسة من غير تغير؛ ولأن الماء اليسير يمكن حفظه في الأوعية، فلم يعف عنه. قاله في الكافي .
وحمل حديث بئر بضاعة على الكثير جمعا بين الكل. قاله في المنتقى.
[ أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه] قال في الكافي
بغير خلاف. وقالت في الشرح حكاه ابن المنذر إجماعا.


الشرح: بين المؤلف هنا القسم الثالث من أقسام الماء وهو النجس (وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل) لحديث القلتين، ففيه دليل على أن النجاسة لو وقعت في ما فوق القلتين لم تنجسه إلا إذا تغيرت إحدى صفاته، أو كانت بول آدمي أو عذرته ولم يشق نزحه.
أما الماء القليل- وهو ما دون القلتين- فإنه ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه ولو لم تغير شيئا من صفاته، سواء كانت هذه النجاسة بول آدمي أو عذرته أو غير ذلك، وهذا هو المذهب عند المتقدمين فلو كان عندنا ماء يبلغ قلة واحدة فسقط فيه روث حمار ولم يغيره، فإن هذا الماء ينجس بمجرد ملاقاته للنجاسة (وهي روث الحمار)؛ لأنه دون القلتين.
وذهب بعض العلماء- وهو المذهب عند المتأخرين- إلى أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس إلا بالتغير دون فرق بين بول الآدمي وعذرته، وبين غيرها من النجاسات، فالجميع سواء، أما إذا لم يبلغ القلتين فإنه ينجس بمجرد ملاقاته للنجاسة، ودليلهم هو حديث القلتين السابق.
والقول الصحيح في هذه المسألة- وهو اختيار شيخ الإسلام - أن الماء لا ينجس إلا بالتغير سواء بلغ القلتين أم لم يبلغهما، لقوله -صلى الله عليه وسلم- الماء طهور لا ينجسه شيء ويستثنى من هذا ما تغير بالنجاسة فإنه نجس بالإجماع، وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والمحمر وعن الطهارة بها، فقال: لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور ولم يفرق بين القليل والكثير.
وأما حديث القلتين فقد اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، فمن قال بأنه ضعيف فلا معارضة بينه وبين حديث إن الماء طهور لا ينجسه شيء لأن الضعيف لا تقوم به حجة.
وعلى القول بأنه صحيح، يقال بأن له منطوقا ومفهوما، فمنطوقه أن الماء إذا بلغ القلتين لم ينجس وليس هذا على عمومه- كما سبق- لأنه يستثنى منه ما إذا تغير بالنجاسة، فإنه يكون نجسا بالإجماع، ومفهومه: أن ما دون القلتين ينجس، فنقول: ينجس إذا تغير بالنجاسة، لأن منطوق حديث الماء طهور لا ينجسه شيء مقدم على هذا المفهوم؛ لأن المفهوم يصدق بصورة واحدة وهي هنا صادقة فيما إذا تغير، وقد تقدم ترجيح القول بأن الماء قسمان: طهور ونجس، وأن الحد الفاصل بينهما هو التغير بالنجاسة، وأنه لا فرق بين القليل والكثير، فعلى هذا يقال بأن دلالة حديث القلتين دلالة مفهوم، ودلالة حديث بئر بضاعة دلالة منطوق، وهو مقدم على المفهوم، وإن كان عمومه مخصوصة بما إذا لم تتغير أوصافه بالنجاسة.